في الطابق الثالث عشر تحدث جريمة قتل غامضة، والبطل مصمم على كشف غموضها، وفي الطابق الثالث عشر يكمن حل اللغز أيضاً، فهناك آلة الأحلام والتي يظن البطل أن القتيل ترك اسم القاتل داخلها، تتطور الأحداث بسرعة ليعرف البطل ما لا يجب أن يعرفه أبداً، كل حياته وذكرياته وطموحه وآماله عبارة عن تراكيب إلكترونية داخل آلة أحلام أخرى! أي أن آلة الأحلام اخترعت آلة أحلام!
العالَم كأسطورة
الفكرة فلسفية أكثر منها علمية، وهي أن العالّم بالكامل مجرد فكرة في عقل فليسوف آخر في عالم آخر، وهو بدوره فكرة في عقل فليسوف آخر وهكذا، ومن نقل هذه الفكرة إلى عالم الورق هو العبقري رائد أدب الخيال العلمي "روبرت هاينلاين".
ولكن فكرة الفيلم معقدة بعض الشيء عن هذه الفكرة الأولية، هناك آلة مكوّنة من ملايين الوحدات الإلكترونية، وهذه الآلة خليط بين آلة الحلم وآلات المحاكاة "Simulation"، كل ما عليك فعله هو أن تُدخل رأسك في آلة الأحلام هذه وعلى الفور ستكون في عالم آخر متخيّل بالكامل.
عن عالَم الأحلام
الأحلام تمتلك خصائص أساسية تجعل صنع آلة أحلام فقط شيئاً صعباً، وهي أن الحلم مهما بدا طويلاً فهو لا يمكن أن تزيد مساحته الزمنية عن خمس ثوانٍ، ربما يُخيّل لك أنك قضيت في الحلم عدة أيام أو أعوام، ولكن العقل الباطن هو المسئول عن هذه العملية، وربما لو زادت مدة الحلم عن هذه الثوان الخمس لفقد العقل استقراره.
ثانياً.. الأحلام تكون دائما مشوّشة ولا تخضع للمنطق، العقل الباطن لا يهتم بالتفاصيل بقدر ما يهتم بالأحداث ونقل المشاعر والأحاسيس، وتكون مهمة العقل الباطن هي تكملة التفاصيل غير الجوهرية، الحلم أيضاً يُرى بالأبيض والأسود فقط، أي أنه من المستحيل أن تعيش في حلم وتظن أنك في العالم الطبيعي؛ نظراً لكل هذه المعطيات.
نأتي إلى آلة المحاكاة، لابد أن البعض خاض هذه التجربة في الملاهي، أو حتى سمع عن الألعاب التي تعتمد على هذه التقنية، في العادة تكون الآلة مكوّنة من دعامة توضع على الرأس، وتشاهد المحاكاة من خلال عدسة توضع على العين وتعرض مشهداً تمثيلاً جاهزاً، المشهد يبدو حقيقي لدرجة أن المُشاهِد يظن أنه موجود بالفعل داخل العالم التمثيلي، في الملاهي تجلس على مقعد وتُشاهد فيلماً يعرض حرباً طاحنة، وتكفي رجفة في مقعدك لتظن فعلاً أنك في قلب المعركة، أما عن ألعاب المحاكاة الحديثة فتعتمد على استقبال إشارات كهربائية من المخ للتجاوب مع اللعبة، اللعبة تتم عن طريق جهاز ريموت كنترول يتحكم به العقل وحده، وتستخدم أجهزة شبيهة في تعليم قيادة السيارات والطائرات.
ولكن ماذا عن عكس العملية؟!
المخ البشري يتعامل مع كافة المعطيات المتاحة أمامه على هيئة نبضات كهربائية، المشاعر والأحاسيس والأفكار ونكهة الطعام وشكل الأشياء والرائحة، كل شيء، إذا استطعنا أن نصل إلى الجزء الذي يتعامل مع هذه الإشارات الكهربية ويعمل على تحليلها، ونوع هذه الإشارات وكيفية أدائها لعملها ربما يجعلنا نصل إلى جهاز محاكاة يُقنع المخ البشري بأن ما يُشاهده ليس مجرد حلم بل عالم حقيقي.
الآلة التي يحكي عنها الفيلم، عبارة عن آلاف الوحدات الإلكترونية والتي تحتوي على قاعدة بيانات رقمية عملاقة تجعلها تتعامل مثل البشر تماماً وفي بيئة شبيهة بالبيئة العادية، يدخل المستخدم إلى عالم الآلة ليُشاهِد أناساً يؤدون أدواراً مرسومة بالكامل وعليك أن تتأقلم معهم، ولكن عليك أن تُحظّر من طول مدة تجربة الآلة فهي تؤثر على العقل البشري، وعليك أن تحرص على حياتك داخل الآلة، فلو مت داخل الحلم ستموت في الحقيقة.
فصلة أخرى من فكرة الفيلم وهي أن آلة الأحلام أو المحاكاة، ابتكرت آلة أحلام أخرى، أي أن الدوائر الإلكترونية امتلكت القدرة على الابتكار، وهذا أبرز ما يُميز الذكاء البشري، وهذا يعني مستوى آخر من مستويات الذكاء الاصطناعي، ربما لا نصل لهذا المستوى في المستقبل القريب؛ لأنه مهما بلغت حدة الذكاء الاصطناعي، فهو معتمد على برمجيات وأوامر مسبقة ومهما بلغت درجة تعقيد هذه الأوامر.
الفيلم إنتاج 1999، ولكنه يُقدّم لمحة مستقبلية باهرة تمزج الغموض والإثارة بالتقنية الهائلة، وهناك مجموعة كبيرة من سلاسل الأفلام التي تتبنّى فكرة أن العالم يعيش داخل حلم دائم، ربما أبرزها سلسلة أفلام "Matrix" الشهيرة، أو أن أحد البشر تمارس ضده تمثيلية محاكاة للواقع دائمة مثل "Truman Show"