د. نبيل فاروق
الخطأ في عالمنا العربي، يبدأ من اللحظة الأولى..
وربما حتى قبلها..
فعلى الرغم من أننا ندَّعي أننا قد تجاوزنا فترة الجاهلية، وأننا نحيا أعظم أيام الإيمان؛ فما زالت الغالبية العظمى من الشعوب العربية تتمنى إنجاب ذكر وليس أنثى..
وربما كان مبعث هذا هو الخوف مما قد تجلبه الأنثى من مشكلات، وهذا أيضاً دليل قوي على التفرقة الداخلية لدى الجانب الأعظم من العرب تجاه الذكر والأنثى..
وربما أمكنني تفهّم هذا نسبياً في الرجل على الرغم من اعتراضي الشديد عليه؛ ولكنني مندهش في الواقع من أن يكون هذا هو شعور الأنثى نفسها، فمعظم النساء اللاتي عايشتهن أثناء عملي كطبيب كن يحلمن بإنجاب الذكور لا الإناث!!
قد يكون هذا لرغبة الأنثى في الشعور بالأمان مع رجلها الذي قد تبلغ به الجاهلية حد الزواج بأخرى؛ فقط لإنجاب الذكور، وكأن هذه وسيلة لتحدَّي إرادة خالقه "عزَّ وجلَّ"، أو كأن زوجته هي المسئولة عن تحديد نوع الجنين، على الرغم من أنها في الواقع تملك بويضة متعادلة، ذات زوج متماثل من الجينات "xx"، في حين يحمل الرجل إما "xx"، أو "xy"، والـ"y" هذه هي التي تنقل صفات الذكورة إلى الجنين، أي أن الرجل وحده -دون سواه- هو المسئول علمياً عن ذكورة أو أنوثة الجنين، وهذا يعني -علمياً- ولو أننا أهملنا إرادة الخالق "عزَّ وجلَّ"، في أن يهب لمن يشاء ذكوراً، ويهب لمن يشاء إناثاً، فالمرأة هي صاحبة الحق في أن تترك الرجل إلى غيره؛ بحثاً عن إنجاب الذكور، وليس العكس..
هذا من الناحية العلمية فحسب، ولكن من الناحية الواقعية فما يحدث هو نوع من إساءة الذكر لاستخدام حقه في الزواج بأخرى..
وهذا جزء من تكوينه..
التربوي..
وهذا ما سنعود إليه عندما نتجاوز مرحلة البداية..
وسنقفز بكلمة البداية إلى نقطة رئيسية..
الميلاد..
فإذا ما بُشّر أحدهم بالذكر، تهللَّت أساريره وأغدق الهدايا والثنايا على مَن حوله، وأقام الولائم، وسار بين الناس مزهواً.. أما إذا بُشر بالأنثى، ظل وجهه مسوداً وهو كظيم..
تماماً كما كان يحدث أيام الجاهلية..
وهذا ليس رأياً صرفاً؛ ولكنه أيضاً تجربة وخبرة طبية طويلة وسابقة، وقوية..
فعندما كانت الولادة تأتي بذكر كانت ممرضات القسم تتسابقن لإبلاغ والد المولود، حتى تحظين منه بعطاء سخي، أما لو أتى المولود أنثى؛ فهن تتلكأن، وتتباطأن، وتلقين المسئولية على بعضهن البعض..
حتى الأم نفسها كثيراً ما كانت تنخرط في البكاء إذا ما علمت أن مولودها أنثى..
كنت أشاهد هذا بعيني وتملؤني الدهشة، وتتفجّر في نفسي عشرات التساؤلات..
من قرأ منهم اللوح المسطور؛ ليعلم أيهم يحمل إليه السعادة والفخر، وأيهم يحمل له العار؟!
الذكر أم الأنثى؟!!
السجون في العالم كله تمتلئ بالنوعين.. وصفحات التفوّق والفخر أيضاً تكتظ بالجنسين..
نساء عديدات وصلن لأعظم وأرفع وأشرف المناصب..
ورجال عديدون ارتكبوا جرائم يندى لها الجبين، وتحمل كل العار لاسم أسرتها..
والعكس بالعكس..
المسألة إذن ليست في الذكورة والأنوثة..
إنها في المنشأ..
والتربية..
والعلم..
والدين..
ولو أننا نؤمن بالله "سبحانه وتعالى" حق الإيمان لما فعلنا هذا بأنفسنا، ولما فرّقنا بين ذكر أو أنثى، وإنما تقبلنا عطية الخالق "عزّ وجلّ"، وناشدناه ودعوناه أن يُبارك فيها..
ولكن الأمور على أرض الواقع لا تسير على هذا النحو..
إننا نبدأ تربية الذكور والإناث بأسلوبين مختلفين تماماً.. منذ اللحظة الأولى نبدأ في معاملة الذكر على نحو أفضل، وباهتمام أكثر من الأسرة كلها..
فقط؛ لأنه ذكر..
وعندما يتجاوز الطفل مرحلة النمو الأولى، ويبدأ في التجاوب مع مَن حوله، نجد الأب شديد الفخر بابنه، ويطلق عليه -وهو لم يتجاوز مرحلة التحكّم في الإخراج بَعد- لقب "راجل البيت"، ويتعامل معه على هذا النحو، ويبدأ فوراً في منحه سلطات الرجل، فيصاب الطفل بنوع من الشعور بالتميّز، يجعله مع عقله الطفولي مستهتراً بكل من حوله..
والمشكلة الأكبر لو أنه شقيق لبنات سبقنه في الوصول إلى الأسرة..
إنه يحيا وسطهن وهو شقيقهن الأصغر باعتباره رجل البيت، كما قال الأب، وصاحب الكلمة المسموعة، وله الحق في التحكّم في حياة شقيقاته..
وفقط أيضاً ؛ لأنه ذكر..
ليس لأنه الأعقل أو الأحكم أو الأرجح تفكيراً..
بل لأنه ذكر..
تشريحياً..
وهنا تكمن مشكلة خطيرة جداً -لا يدركها الأب- الذي يعيش مرحلة الجاهلية -في زمن معاصر- ولا تدركها الأم التي ارتاحت؛ لأنها حققَّت ما يطلبه منها المجتمع، وأنجبت الذكر المنشود، ولا تدركها العائلة، الفرحة بأن لها حفيدا ذكرا سيشد أزر والده فيما بعد..
مشكلة أن هذا الذكر لن ينشأ أبداً كرجل..
والمقصود بالرجل هنا ليس هو الصفة التشريحية التي يُشاركه فيها ذكر الجاموس، وذكر الفئران، وحتى ذكر الصراصير..
المقصود هو كلمة رجل بكل ما تحمله من معانٍ..
ورجل هنا ليست صفة تشريحية مثل ذكر..
إنها سمات، وأسس، وقواعد..
وأسلوب حياة..
الرجل هو مزيج من القوة، والحزم، والقيادة، والحكمة، والعطف، وحسن التدبير..
فكم من رجل تعرفونه في حياتكن يا نساء العالم العربي كله، يستحق بناءً على هذه الصفات لقب "رجل"؟!!
الرجولة للأسف مختلة، في أذهان الذكور أنفسهم؛ لأن أحداً -في العصور الحديثة- لم يحاول تربيتهم كرجال، مكتفياً بأنهم ذكور، وكأن الصفة التشريحية وحدها تكفي؛ لإنشاء شخص قوي مسئول قادر على رعاية من حوله، وحمايتهم، والذود عنهم..
قديماً كان الذكر -إذا ما بلغ الحلم- يبدأ فوراً برنامجاً خاصاً؛ يستهدف تنشئته كرجل قوي..
كان يتعلَّم السباحة.. والرماية.. والمبارزة.. وركوب الخيل.. والصيد.. والقنص..
والأهم، أنه كان يتعلَّم كيفية معاملة النساء واحترامهن مهما كانت صفاتهن..
ولهذا، كان ينشأ كرجل..
كفارس..
كإنسان قوي، يمكن الاعتماد عليه وتكلفته بقيادة جيوش.. بل وأمم بأسرها، ودفعها إلى القمة..
ولكن في عصرنا هذا يحدث العكس تماماً..
ولهذا حديث آخر،،،