اقرءوا معي هذا الخبر:
"أصدرت الجهات القضائية في جدة -غرب السعودية- حكمها بحق وافد مصري يعمل بأحد مشاغل الخياطة النسائية أدين بالتحرش بفتاة سعودية خلال أخذه مقاسات جسدها، ونص الحكم على جلده 60 سوطا".
"ورأت المحكمة أن الوافد مدان بـ "الشبهة القوية"، وأصدرت حكمها بجلده 60 سوطا دفعة واحدة، ولم يعترض المدعى عليه على الحكم، الذي رفع لهيئة التمييز في مكة المكرمة، والتي أقرته وأصبح بذلك نهائيا ويستوجب التنفيذ الفوري".
في الواقع أصابني هذا الخبر بحالة ذهول؛ فحسب خبرتي المتواضعة بالمجتمع السعودي؛ فإن حدوث شيء كهذا أمر مستحيل؛ حيث إنه من المتعارف عليه هناك أن النساء لا يتعرضن إطلاقا "للخياط" في هذه المحال! فكيف يأخذ مقاساتها؟ ويكون البديل أمام أولئك النسوة إما إحضار أزياء قديمة تخصهم على أن يقوم الخياط بالقياس عليها، أو يكون بالمحل عاملات أجنبيات يقمن بهذه المهمة.. والنساء عموما ينجذبن أكثر للإدارة النسائية لتوافقها مع متطلباتهن.
إذن كيف يتم إلصاق هذه التهمه بهذا الرجل؟ وحتى إن افترضنا أنه قام بأخذ قياسات الفتاة؛ فأين المَحْرم الذي اشترطت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجوده مع الفتاة في هذه المحال؟ الأمر أشبه بمسرحية عبثية برعاية هيئه قضائية في دولة يفترض فيها تطبيق الشريعة الإسلامية والتي من أهم مبادئها العدل وتحريم الاتهام بالباطل؟
وما هو مدلول "الشبهة القوية" الذي تم على أساسه الحكم على الخياط؟.. فالرجل لم يتحرش بالفتاة علنا في الطرقات.. بالإضافة إلى أن طبيعة عمله تجعل من المحتمل أن تمس يداه أي جزء من الفتاة دون قصد.. وهي تعلم أنه سيقوم بأخذ قياساتها.. فأين الشبهة في الأمر؟ بل ما هو دليل المحكمة على أن الخياط قام بالتحرش بهذه الفتاة؟
لا أعلق آمالا كثيرة.. فتكفي شهاده الفتاة ووالدها.. فهما لا يكذبان؛ إنما الخياط المصري المسكين؛ فهو من قبل ميلاده يكذب ويسرق وينصب ويتحرش!
وأكثر ما أحزنني في الأمر: أن الرجل لم يعترض على الحكم!.. فلو كان مذنبا لاعترض وملأ الدنيا صراخا.. فكيف وكل الدلائل تشير إلى أنه أخد في جنابه وسكت!
فاعتقادي الخاص أن الرجل يعلم أن السفارة لن تنقذه أو تتحرك من أجله، وأن النتيجة واحدة؛ فقرر الرضوخ للأمر الواقع.. وهو للأسف منطق انهزامي لا أتصوره لرجل طُعن في سمعته ولن يستطيع العمل مرة أخرى بالتأكيد في نفس الدولة.. والصحافة المصرية لن تصمت حتى تأتي بخبره وخبر عائلته وتعرض تاريخ حياته.. فلماذا تقبّل العقوبة بصدر رحب وصمت؟
وهو يضعنا أمام احتمال أن الرجل قام فعلا بالتحرش بالفتاة.. فلماذا تنشر أخبار المصريين فقط؟ ولماذا لا نسمع عن جرائم تحرش الشباب السعودي بالفتيات المصريات، والأمر يتحول في دهاليز الشرطة السعودية إلى صلح وقرشين مراضيه؟!
ولماذا لا تعاقب هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشرطة السعودية الشباب السعودي الذي يقوم بالتحرش بالفتيات في الطرقات؛ بل ولماذا لا يقومون بتصوير فعلتهم ونشرها في أكبر المواقع الخليجية والسعودية؛ حتى أني كدت أبكي حسرة على ما صدر من بعض السعوديون الذين يعتبرون هذا الأمر عاديا جدا، مقارنة بما يلاقيه المصريون داخل بلادهم على أيدي الشرطة المصرية.
فالمنطق هنا: "أنتم تهانون في وطنكم بطريقة أبشع وأسوأ.. ونحن نهينكم بطريقة آدمية"، لا أريد أن أقع في فخ التعميم؛ ولكني لم أستمع طوال فترة إقامتي في السعودية عن مصريين لم تُهَن كرامتهم هناك! فلكل أسرة قصصها وحكايتها، ولن تجد تفرقة بين الطبيب والمهندس، وبين السباك وعامل الصيانة.. فالأمر سيان أمامهم.. مصريون!
مقال
.