د/ خليل فاضل
استضافت مكتبة حنين الطبيب النفسي والكاتب الدكتور خليل فاضل لمناقشة وتوقيع الطبعة الثانية من كتابه "وجع المصريين".
وفي بادئ حديثه، كشف د.فاضل انخراطه النشاط الطلابي السياسي في المرحلة الساخنة ما بين عامي 1971 و1972، قبل أن يغيب عن الوطن لربع قرن من الزمن، وحينما عاد وجد مصر تتألم وليست هي مصر التي تركها منذ 25 سنة، مما جعله يفكر في كتاب يرصد التغيير وموطن الألم.
وأشار د.فاضل إلى أنه ظل يكتب دون اهتمام أو اكتراث بكيفية طباعة هذا العمل، على اعتبار أن تلك النقاط سوف يتم مناقشتها لاحقاً، وبعد أن انتهى من الكتابة عرض كتابه على دار الشروق ولكنهم رفضوه.
وأبدى د.فاضل تفهماً -على حد قوله- لقرار دار الشروق؛ بل ورأى أن هذا يعني ضرورة تعديل العمل، وبالفعل بعد مراجعة رأى د.فاضل أن الكتاب ضخم، تم تقسيمه إلى ثلاثة أجزاء، مشيراً إلى أن وجع المصريين هو الجزء الأول من ثلاثية معنية برصد المتغيرات التي جرت في مصر خلال السنوات الأخيرة، كما قام بتغيير حجم الكتاب ليلائم المتطلبات الاقتصادية والتجارية لسوق بيع الكتب في وقتنا الراهن.
ورأى د.فاضل أن طباعة الكتاب على نفقته الخاصة سوف يجعله حراً في النص المكتوب، دون أن يحدث تدخل من الدار الناشرة، وبالفعل صدر كتابه "وجع المصريين" على نفقته الخاصة.
وحول توزيع الكتاب أشار د.فاضل إلى أنه قرأ رقم موبايل أسامة غريب في كتابه "مصر مش أمي"؛ فقام بالاتصال به وسأله عن كيفية إيصال كتابه -المطبوع على نفقة الكاتب كما جري مع كتاب وجع المصريين- إلى كبرى المكتبات في مصر، وهكذا وجد الكتاب طريقه إلى القارئ.
وحول توجهه إلى الكتابة، قال: حينما يكون طبيب نفسي مسيّس وغائب عن بلاده ربع قرن قبل أن يعود ليندمج في المجتمع فلابد أن يكون لديه شيء يقوله؛ فبدأ في الكتابة دون أن يعرف إلى ماذا سوف تفضي هذه الكتابة.
ورفض د.خليل تصنيف كتابه على أنه مجموعة مقالات، مشيراً إلى أن الكتاب أكبر من ذلك ومقسم إلى ستة فصول تتناول أهم ما في حياة المصريين.
ورصد د.خليل ما يجرى في بعض دور النشر حينما أشار إلى تجربته الشخصية التي وصفها بالصدمة؛ لأن الكاتب المصري اليوم يعيش في مجتمع لا يحتفي إلا بالناس التي تأكل وتسهر معه ولا مانع من كأسين؛ مضيفاً أنه لا يحكم على هذه الأفعال بالخطأ أو الصواب ولكنه غير قادر على أن يجاري هذه الأجواء؛ لذا لم يستطع -والكلام للدكتور فاضل- أن يدخل دور النشر باستثناء واحدة هي الدار المصرية اللبنانية.
وفي سياق مستمر لتجربته مع دور النشر أضاف د.فاضل أن دور النشر حينما تتحمس لنشر عمل ما؛ فإنها تختار التوقيت والغلاف وشكل الكتاب بنفسها، في مصادرة صريحة لحق الكاتب في كل هذا.
وعن حسابات الربح والخسارة لمن يطرح كتاباً على نفقته الخاصة، أشار د.فاضل إلى أنه حقق مكسباً أدبياً واجتماعياً كبيراً وراء كتابه؛ إضافة إلى مكسب مادي معقول غطى نفقات طبع الكتاب إلى جانب هامش ربح ضئيل.
وحول الفترة التي أخذها د.فاضل لكتابة هذا العمل أشار إلى أنه ظل 4 سنوات يتأمل مصر والمصريين؛ ولكن ليس بلغة الغائب كما كان يفعل في المهجر، أو أسلوب "الخواجة" القادم لتأمل شعبه من نظرة عليا، وظل طوال الأربع سنوات يرصد ويكتب، ورغم تفهمه لما يقرأه المصريون اليوم، إلا أنه رفض أن يكتب كتاباً وفقاً للمعايير التجارية المتعارف عليها في الوسط الثقافي اليوم، مفضلاً أن يترك قلمه يكتب دون أي محددات أو خطوط سابقة؛ ولكنه حرص على أن يكتب العمل بلغة مفهومة لرجل الشارع.
واسترسل د.خليل في حديثه عن هذه التجربة معترفاً بأن الشعب المصري لا يقرأ بالكم الموجود في الغرب؛ لأن نسبة الأمية والفقر مرتفعة في مصر، ورفض د.خليل الاتهام الموجه له بأنه تأثر بالمرضى القادمين إلى عيادته الشخصية؛ مشيراً إلى أن هذا ليس باتهام، فمن البديهي أن يتأثر الطبيب بمرضاه؛ خاصة إذا كانوا قادمين من الوطن وليس القمر على حد قوله، وأشار د.خليل إلى أن هؤلاء كان لديهم الجرأة واحترام النفس الكافي للذهاب إلى العيادة النفسية، وأشاد د.خليل بالوعي الموجود لدى الشعب نافياً الفكرة الشائعة عن رفض المصريين للعلاج النفسي؛ مؤكداً أن عيادته تستقبل مرضى من كافة فئات الشعب.
وتحدث د.خليل عن بعض ما رصده في كتابه، مؤكداً أن الهجرة الشرعية أسوأ من الهجرة غير الشرعية؛ فالناس تذهب إلى الخليج لجمع الأموال حتى تشيخ وتعود إلى مصر لتعالج بما حصدته من أموال حتى الوفاة، إضافة إلى تشرذم الأسرة المصرية بين عائل في الخليج وأم ربما تعمل وأبناء منفصلين عن ذاتهم كلاً منهم في جامعة خاصة.
ونتجت عن ذلك ظواهر اجتماعية مثل التعثر الدراسي رغم ذكاء الطالب، مشيراً إلى أن تشرذم الأسرة له دور هام في هذه الظاهرة؛ فاليوم الأب مدمن قنوات تلفزيونية إخبارية وربما جنسية؛ بينما الأم مشغولة في رعاية البيت وربما عملها، والأبناء كذلك أصبح الإنترنت هو صديقهم الأول؛ فلم يعد هنالك تواصل بين مكونات الأسرة المصرية، وأصبحت العلاقة مجرد منفعة، فالابن لا يتحدث مع والده إلا حينما يكون بحاجة إلى مال، واختفت الحميمية داخل الأسرة المصرية.
وأشار د.خليل إلى اختفاء بعض المظاهر الاجتماعية؛ فاليوم لم نعد نترك أبواب بيوتنا مفتوحة كما كان يجري في السابق، واختفى التكافل الاجتماعي الذي كان يجري حينما تطلب سيدة البيت من جارتها كوبا من الزيت أو اللبن من أجل إكمال إعداد وجبة الغذاء أو العشاء، وانتشرت الأبواب والنوافذ الحديدية على كل باب ونافذة في بيوتنا، واختفاء أي مسبب للأمان ما عدا الفلوس؛ فالفلوس اليوم هي المصدر الوحيد للأمان لدى المصريين.
ثم نقل د.خليل دفة الحديث إلى الإدمان في المجتمع المصري، مؤكدا أن الحشيش أصبح اليوم في المجتمعات الشرقية مثل الخمر في المجتمعات الغربية، ورغم عدم إيمانه بنظرية المؤامرة إلا أن البصمات الإسرائيلية والصهيونية واضحة في انتشار المخدرات في مصر؛ بل إن أكبر وأهم منفذ لدخول المخدرات إلى مصر هو تجار شبه جزيرة سيناء الذين يستقبلون المخدرات عبر الحدود مع إسرائيل.