من أحب الله أحب قربه ولقاءه، وطريق الأنبياء هو طريق التقرب إلى الله، والأنبياء أفضل المقربين عند الله عز وجل، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إمام المقربين.
فقد قرب الله عز وجل موسى عليه السلام ليناجيه فهو كليم الله قال تعالى: (وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجياً) [مريم:52]
وطريق التقرب إلى الله هو طريق المؤمنين الذين يؤمنون أن الله قريب، وما عليهم إلا أن يدعوه ويتذللوا له. قال تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) [البقرة: 186]
وكان هذا جواباً لسؤال.. فقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم من بعض أصحابه فقالوا: يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فنزلت الآية: (وإذا سألك عبادي عني فإن قريب) [البقرة: 186]
ووسائل القرب من الله كثيرة منها: كثرة الاستغفار والتوبة والرجوع إلى الله والتذلل..
ففي سورة هود قال تعالى: (فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب) [هود: 61]
فالله قريب ممن دعاه: دعاء مسأله أو دعاء عبادة.
والقربى نوعان :
قربى عامة ... قرب بعلمه من جميع خلقه (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) [ق: 16]
وقربى خاصة ... قربى من عابديه وسائليه قال تعالى: (كلا لا تطعه واسجد واقترب) [العلق:19]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد} [صحيح الجامع ج1 / 1174]
فالتذلل يقرب الإنسان إلى ربه والسجود أقرب ما يكون فيه العبد ذليلاً بين يدي الله.
فالأنبياء يتذللون والصالحون يتذللون وهذا إرشاد رسول الله لمن سأله مرافقته في الجنة فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : {أعني على نفسك بكثرة السجود} لأنه منتهى التذلل بين يدي الله فبالتذلل يقترب وإذا اقترب كان رفيق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر الله عز وجل عن حال عيسى عليه السلام انه لا يمتنع عن عبادة ربه لا هو ولا الملائكة المقربون قال تعالى: (لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون) [النساء:172]
إذن هو عبد الله والعبودية أرقى مقامات التقرب إلى الله فإن الله عز وجل عندما ذكر في القرآن الإسراء والمعراج وهو منتهى الارتقاء وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعبودية فقال تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) [الإسراء:1]
فوصف سيد الخلق بالعبودية في هذه الرحلة الربانية وفيها يتحقق أكبر معاني الارتقاء.
وعيسى عليه السلام وصفه الله عز وجل أيضاً أنه ذو وجاهة في الدنيا عند الناس، وفي الآخرة عند الله من المقربين، وهذه بشارة لعيسى عليه السلام قال تعالى: (وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين) [آل عمران:45]
هذا التقرب في الدنيا... فماذا عن حال المقربين عند الاحتضار والموت.
قال تعالى: (فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم) [الواقعة:88]
فإن كان الميت من المقربين إلى الله المتقربين إليه بأداء الواجبات والمستحبات وترك المحرمات والمكروهات وحتى فضول المباحات، فإن جزاءهم راحة وطمأنينة وسرور ونعيم القلب والروح وكل لذيذ من مأكل ومشرب.
وجزاء آخر مدخر لهم كتابهم يشهده المقربون من الملائكة، لأنهم سابقون في الدنيا إلى الخيرات وسابقون في الآخرة للجنات فهؤلاء هم المقربون عند الله في جنات النعيم في أعلى عليين حيث لا منزلة أعلى منها. قال تعالى: (كتاب مرقوم يشهده المقربون) [المطفيفين: 11]
وهؤلاء الذين ارتقوا إلى درجة الإحسان يطيعون الله يعبدونه كأنهم يرونه فإن رحمة الله قريبة منهم في الدنيا والآخرة. قال تعالى: (إن رحمة الله قريب من المحسنين) [الأعراف:56] المحسنين في عبادة الله، فكلما كان العبد أكثر إحساناً كان أقرب إلى رحمة الله وكان ربه قريباً منه برحمته. لأن الإحسان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك}[صحيح الجامع ج1/2762]
والتنافس بين المؤمنين في الدنيا في طاعاتهم، والبعد عن المعاصي والسعي إلى التقرب من ربهم ليكونوا الأقرب منه. قال تعالى: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) [المطفيفين: 26]
وقال في وصفهم: (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخشون عذابه ) [الإسراء: 57]
أولئك من الأنبياء والصالحين والملائكة يتنافسون في القرب من ربهم ويبذلون ما يقدرون عليه من الأعمال الصالحة المقربة إلى الله تعالى.
وقد وصف الله هؤلاء المقربين بثلاثة أمور الخوف والرجاء والدعاء والمحبة.
ومن علامات حبهم لله عز وجل.. اجتهادهم في كل ما يقربهم إلى ربهم من الدعاء وابتغاء الدرجة العالية في قربه بإخلاص الأعمال كلها لله والنصح فيها.
إذن ما يقرب إلى الله عز وجل.. الطاعات والإخلاص والابتعاد عن المعاصي وترك فضول المباحات، والاعداد للقاء الله، لا كما يظن الكافرون أن كثرة الأموال والأولاد تقربهم إلى ربهم ويظنون أنها علامة محبة من الله عز وجل.
قال تعالى: (وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى) [سبأ:37]
وحتى المشركون يظنون أنهم يتخذون الأنداد ليقربوهم إلى الله عز وجل وهذا كلا م مردود عليهم: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) [الزمر:3]
إذن طريق التقرب.. إخلاص وتوجيه للقلب إلى الله عز وجل.. والحرص على الطاعات.. والخوف والبعد عن المعاصي.. وترك فضول المباحات.. والاستعداد ليوم الرحيل.
( منقول للافادة )